http://jonykurd.blogspot.com/

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

الإمارات الكوردية

لمحة تاريخية

عاش الكورد، طوال تاريخهم، تحت السيطرة الأجنبية، التي بدأت في القرن الخامس قبل الميلاد، حينما استطاع الإمبراطور الأخميني، سيروس، أن يدمّر، عام 550 ق م، مملكة ميديا، التي يعُدها المؤرخون الموطن الأصلي للكورد.

ثم خضعوا لحكم الإسكندر الكبير، الذي قضى على الأخمينيين، عام 330 قم ثم خضعوا للأرمن (الأرسانيين)، خلال القرنين، الثاني والأول قبل الميلاد، ثم للدولة الرومانية حتى القرن الثالث الميلادي، ثم للأرمن الذين اختلطوا بالكورد.

وتعاقب على حكْمهم الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية وحكمهم الأرمن، مرات عديدة وأخيراً، خضعت كوردستان للدولة البيزنطية، التي اقتسمتها مع الإمبراطورية الساسانية، بين القرنين، الثالث والسابع، الميلاديين، إلى أن جاء الفتح العربي الإسلامي، في عام 18هـ / 640م، في عهد الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب وقضى المسلمون على الإمبراطوريتَين البيزنطية والساسانية معاً، فدخل الكورد في الإسلام، وكانوا عوناً لأمتهم الإسلامية، في العصور التالية.

وفي الواقع، إن العشائر الكوردية، لم تكن خاضعة لتلك الدول خضوعاً حقيقياً، بل كانت تعيش في شبه استقلال، معتصمة بجبال كوردستان الوعرة وظهرت إمارات كوردية مستقلة، خلال فترات الحكم الإسلامي تحت حكم بعض الأُسر الكوردية ولم يسيطر أي من هذه الإمارات، بمفردها، سيطرة تامة على كوردستان ولم يحتفظ أي منها باستقلالها الحقيقي وكثيراً ما كان يحتدم الصراع بين الأُسر الكوردية الحاكمة.

وكانت الدولة الأيوبية إمارة كوردية إسلامية، أسسها صلاح الدين الأيوبي، عام 1171م، وبسطت سيطرتها على مصر والشام وبلاد الرافدين وخاضت حروباً مظفرة ضد الصليبيين في فلسطين، حتى تمكن صلاح الدين من القضاء على الدويلات الصليبية في بلاد الشام، مسجلاً أمجد الفصول في تاريخ الإسلام.

وينتمي صلاح الدين يوسف الأيوبي (توفي عام 589هـ / 1193م) إلى قبيلة راوند الكوردية، التي استوطنت منطقة ديفين، الواقعة في إقليم يرفان(أرمينيا) ودام حكم الأيوبيين 81 سنة (1169م ـ1250م) وظل الكورد، منذ ذلك الحين حتى الغزو المغولي، يضطلعون بدور مهم في خدمة الحكام غير الكورد، بسبب ميزاتهم الحربية البارزة.

وخضع الكورد، بعد ذلك، لحكم السلاجقة الأتراك، في عام 1051م، وخدموا في الجيوش السلجوقية، وتعرضت العشائر الكوردية لفتن من الحكام المحليين، جعلتها تدخل في صراع بعضها مع بعض، وظلت هذه السمة بارزة في حياة المجتمع الكوردي، إلى اليوم.

وجاء الغزو المغولي، عام 1231م، لينشر الدمار والهلاك في ديار الإسلام، ومنها كوردستان وتلا ذلك غزو القائد المغولي، تيمورلنك (تيمور الأعرج)، عام 1402م، فخضعت له بلاد الكورد وسائر بلاد الأناضول وألحقت هذه الغزوات الضرر الكبير ببلاد الكورد وأشاعت الخراب فيها.



ومع مطلع القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، اقتسمت العالم الإسلامي الدولة الصفوية الشيعية، الحاكمة في إيران، والدولة العثمانية السُّنية، الحاكمة في الأناضول.

دخل الكورد في طاعة السلطان سليم الأول، بفضل مساعي الحكيم الكوردي، مُلاّ إدريس البدليسي، وهو من أهالي تبطيس، مستشار السلطان الذي أرسله إلى أمراء كوردستان لما له من النفوذ بينهم واعتراف بفضله وعلمه فانضم هؤلاء إلى السلطان العثماني واستطاع الكورد والأتراك قهر قوات الصفويين، بقيادة إسماعيل شاه الصفوي (1502 ـ 1518) في معركة جالديران، الواقعة إلى الشمال الشرقي من بحيرة أرومية، في 23 أغسطس 1514 (920 هـ) ودعموا المذهب السُّني في وجْه المذهب الشيعي.

وكان من نتائج هذه المعركة اقتسام بلاد الكورد، بين الدولتَين، الصفوية والعثمانية، وخضع القسم الأكبر منها للحكم العثماني وجُدّد ذلك التقسيم في معاهدة، عقدت عام 1639م (1048 هـ)، بين الشاه عباس وبين السلطان العثماني مراد الرابع وكانت لتلك المعاهدة أثرها في كل مجريات التاريخ الكوردي، فيما بعد.

وبعد عام 1514م أصدر السلطان العثماني أوامره، إلى الحكيم الكوردي، إدريس البدليسي، الذي يعمل مستشاره في الشؤون الكوردية، أن يشكل الإقطاعيات الكوردية وسعياً إلى توطيد الحدود التركية الجديدة، عمد المستشار الكوردي إعادة توطين العشائر الكوردية على امتداد الحدود، وأعفاها من الالتزامات كافة.

وتكللت جهود إدريس البدليسي بإصدار السلطان سليم الأول مرسوماً (فرمان)، يقضي بترك الإدارة في كوردستان للأمراء، الذين يتوارثونها، وليس عليهم إلا أن يقدِّموا جيوشاً مستقلة، بإدارتهم، إلى الدولة، حينما تكون في حرب مع إحدى الدول الكبيرة وعليهم أن يدفعوا إلى خزينة الدولة مبلغاً من المال، كل سنة وقد حدد ذلك الفرمان الحكومات الكوردية بحكومات: هولير(أربيل) وكركوك والسليمانية، وحصن كيف، وجزيرة ابن عمر، و هكاري (جولاميرك) وساسون، والعمادية، وبيتليس وكانت تلك الحكومات تسمى: إمارة بابان، إمارة سوران، إمارة بهدينان، إمارة بوتان وكان هناك 16 إمارة معترفاً بها.

واعترف الفرمان لرؤساء هذه الحكومات، الذين أطلق عليهم لقب "دَرَه بيك" أي سيد الوادي، بحقوق وامتيازات متوارثة في أراضيهم ومناطق نفوذهم كما أن الحكومة العثمانية، لم تكن تتدخل في شؤونهم الداخلية ولقد أفلح الملا إدريس، بخطته هذه، في ضمان حماية الحدود التركية الشرقية، ضد أي غزو إيراني.

وشهدت الحقبة الواقعة بين عام 1514 والنصف الثاني من القرن التاسع عشر، نشوء مشيخات كوردية، تتمتع بقدر من الاستقلال، في نطاق الإمبراطورية العثمانية، حتى إن بعضها أقام صِلات مع الشاه الإيراني والسلطان العثماني، في آن واحد.

وظل هذا الوضع حتى دخلت الإمارات الكوردية تحت الحكم العثماني المباشر منذ عام 1847م.

ومع الوقت، تناست الحكومة العثمانية المتعاقبة اتفاقية الحكم الذاتي تلك وأزالت أكثر الحكومات الكوردية، ولم يبقَ منها، في نهاية القرن السابع عشر، سوى حكومة اليزيديين، في سنجار، والمليين في آمد (ديار بكر)، والزازا (ظاظا) في ديرسم، وقد أصبحت تسمى "سنجق بك".

وأعادت الدولة العثمانية، في عهد السلطان محمود الثاني، تنظيم أمور ولاياتها، فجعلت المنطقة الكوردية ضمن ثلاث ولايات، هي: بغداد و آمد و أرزروم.

ولم تكن الإقطاعيات والمشيخات الكوردية متحدة، على الرغم مما تتمتع به من استقلال محدود، بل كانت في حروب مستمرة، الأمر الذي اضطرها إلى طلب المساعدة من شاه إيران، أحياناً، ومن السلطان العثماني، أحياناً أخرى.




أهم الإمارات الكوردية


1- الأمارة الشدادية:


أولى الأُسر الكوردية، شبه المستقلة، التي ذكرها التاريخ، هي أُسرة بَنِي شداد ومؤسسها محمد بن شداد بن قرطق، عام 340هـ / 951م وحكمت مناطق كوردستان، الشمالية الشرقية، واستمرت حتى عام570هـ / 1174م، حينما سقطت في يد الكرج.



2- إمارة بَنِي حسنويه:

أسّسها حسنويه بن الحسين البزركاني، رئيس إحدى العشائر الكوردية، عام 348هـ / 959م، واستمرت نصف قرن حتى عام 406 هـ / 1015م تقريباً وذاع صيت ذلك الأمير، وضم الجزء الأكبر من كوردستان، الذي يشمل همدان ودينور ونهاوند وقلعة سرماج وهاب البويهيون جانبه وتولى، بعده، ابنه بدرالدين بن حسنويه، الذي قوي نفوذه، ومنحه الخليفة العباسي لقب "ناصر الدولة و الدين" وقد قتل على يد رجاله، عام 405هـ ، وخلفه ابنه، ثم حفيده، حتى تخلص منهم البويهيون، عام 406هـ/1015م.



3- المروانيون:

عرفت، في الفترة عينها، الأُسرة المروانية، التي أسّسها أبو عبد الله حسين بك دوستك، من أمراء أكراد العشيرة الحميدية، في آمد (ديار بكر)، الذي استولى على أرمينيا وأرجيش ثم على عدد من المدن وضيّق عليه الحمدانيون، بينما كان يحاول الاستيلاء على الموصل، وقتل عام 380هـ وشملت هذه الإمارة بعض بلاد أرمينيا ومناطق موش وأرجيش و رها (أورفة) واشتهر من حكام المروانيين الأمير أبو نصر أحمد، الذي تولى الحكم من قِبل الخليفة العباسي في بغداد، وذاع صيته في عصره، لعدله وقدرته وحكم مدة 51 سنة وقضى السلاجقة على هذه الإمارة، عام 489هـ / 1096م.



4- الشهرمانيون:

خلفت الأُسرةَ المروانية في حكم كوردستان الأُسرةُ الشهرمانية، التي حكمت آمد (ديار بكر) و أرزروم، من سنة 1100م إلى سنة 1207م.

ثم قضى السلاجقة الأتراك على هذه الإمارة الكوردية ومن بعدهم، جاء الغزو المغولي الكاسح، الذي استمر حتى عام 1400م.



5- مملكة أردلان:

كانت تمتد على طرفَي الحدود العراقية - الإيرانية (في لواء السليمانية، اليوم)، من جبال قره داغ وأودية شهرزور وأصقاع أردلان (كوردستان الإيرانية، في الوقت الحاضر)، التي كانت تقطن فيها عشائر الكلهور الكوردية القديمة.

وكانت أُسرة بَنِي أردلان تحكم هذه المنطقة، منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وعاصرت الحكم المغولي واضطرتها الدولة الجلائرية في العراق إلى التخلي عن القسم الشمالي الشرقي من الإمارة وفي القرن الخامس عشر استعاد الحاكم الأردلاني القسم الشمالي من بلاده، فأصبح نهر الزاب الكبير، من جديد، الحدود الشمالية لمملكته.

ودخلت هذه الإمارة تحت الحكم العثماني، بعد انتصار السلطان العثماني سليم الأول على الصفويين، في معركة جالديران، عام 1514 وبقيت أمور الحكم الفعلية في أيدي الكورد ولكن العثمانيين غزو إمارة أردلان، بوساطة والي حلب، عام 1538، وجعلوها ولاية عثمانية لفترة من الزمن.

وفي عام 1600، تبدل الوضع، فخضعت أردلان للشاه عباس فتولى حكم الإمارة أحمد خان الأردلاني، بوصفه ملكاً من التابعين لشاه إيران وطلب الشاه عباس من أحمد خان، عام 1605، إخضاع العشائر الكوردية، في بيتليس والعمادية ورواندوز، لحكم الشاه وبذلك استعاد الأمير الكوردي ممتلكات أردلان القديمة وانتهى حكم الأُسرة الأردلانية بغزو القائد العثماني، خسرو باشا، الذي قضى عليها، بعد معركة جرت في عام 1629.




6- إمارة بابان:

بعد أفول الإمارة الأردلانية، ظهر في بلاد البشدر شخص، اسمه أحمد الفقيه، الذي أسس الأسرة البابانية وعرفت قبيلة بشدر بنظامها الاجتماعي، الذي يقسمها إلى زعماء وعوام وخلف أحمد الفقيه ابنه ماوند، الذي توسع نفوذه في شهربازار وما جاورها بيد أن المؤسس الحقيقي لأُسرة بابان، هو سليمان بك بن ماوند بن أحمد الفقيه ففي النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، كان سليمان بك الشخصية البارزة في شهرزور، وحل محل الأردلانيين في حكم المنطقة، عام 1694 فاستعان الأمير الأردلاني بالإيرانيين، فأرسلوا جيشاً، دمر خصمهم الباباني، الذي اضطر إلى اللجوء إلى استانبول، حيث استقبل بحفاوة بالغة، ومنح سنجق بابان إلا أن موته أدى إلى خلافات بين أبنائه، فتمزقت إمارته على أيدي الزنكية والعشائر أخرى.

واستطاع بكر بك، أحد أبناء سليمان بك، أن يستأثر بالسلطة، و يوسع رقعة إمارته، فشملت المنطقة الممتدة بين نهرَي سيروان و الزاب الصغير، والهضاب الكائنة شرق طريق كفري - ألتون كوبري وصار يضاهي حكام أردلان، الذين تفصلهم جبال هورامان.

وهاجم العثمانيون بكر بك بن سليمان بك بابان، في عام 1715م، فقتل في إحدى المعارك وبذلك، رجعت المناطق البابانية إلى النفوذ العثماني المباشر، حتى ظهور خانه باشا بن بكر الباباني، عام 1730، الذي امتد نفوذه من كركوك حتى همدان، وحكم أردلان أربع سنين.

واكتسحت جيوش الإيرانيين، في عهد نادر شاه، كوردستان الجنوبية، واستمر الحكم الإيراني من عام 1730 حتى عام 1743 وظهر من البابانيين مَن تعاون مع الإيرانيين، إذ سمحوا للكورد بحكم شهرزور فقط وهكذا نشأ ميل الأسرة البابانية إلى التعاون مع إيران، التي قدمت العون إلى البابانيين، ضد الولاة العثمانيين، في بغداد.

ثم تولى سليمان باشا إمارة بابان، أربع عشرة سنة متقطعة وتوسعت مطامحه إلى أردلان، فغزاها، عام 1763، إلا أن الجيوش العثمانية، سحقت جيشه ثم اغتيل عام 1765، وجرى صراع حول السلطة بين أبنائه الثلاثة، الذين خلفوه، وكان ولاؤهم يتذبذب بين الدولتَين، الإيرانية والعثمانية.

وعيّن عبد الرحمن باشا على إمارة بابان، ما بين عامَي 1789 و 1811 وأسدى خدمات جليلة إلى الدولة العثمانية، في تعقب الثائرين عليها، 1792، وفي تأديب اليزيديين، في سنجار عامَي 1794 و 1799 وأخضع الثائرين، في العمادية، وفي الفرات، عام 1805م.

وعلى أثر اختلافه مع والي بغداد العثماني، التجأ إلى إيران ثم عاد إلى السليمانية، واشتبك مع العثمانيين، فدُحرت قواته من قِبل والي بغداد، سليمان الصغير، عام 1808، عند مدينة كفري، ثم عزله والي بغداد، عام 1811 وتوفي عام 1813.

في عام 1812، عادت العائلة البابانية إلى الثورة، إذ خرج أحمد باشا الباباني على العثمانيين، وانتصر في معارك عدة، وتقدم إلى أطراف بغداد، وكاد يستولي عليها، وأوشك أن يقضي على القوى العثمانية قضاءً مبرماً لولا أن عاجلته المنية.

وتولى حكم إمارة بابان محمود بن سليمان باشا، واستمر حكمه عامَين وعام 1816، عُيِّن عبد الله باشا، شقيق عبد الرحمن باشا، حاكماً على السليمانية، من قبل والي بغداد، سعيد باشا، وتداول الحكم مع محمود باشا وتدخلت إيران، بحملاتها العسكرية، غير مرة، في كوردستان الجنوبية وكان حكم البابان على السليمانية عاملاً مهماً من عوامل استمرار الحرب بين الدولتَين العثمانية والإيرانية.

وفي عام 1850م، دخل القائد التركي، إسماعيل باشا، السليمانية، بقوة من الجيش، قضت على حكم البابانيين، الذي استمر مدة قرن ونصف القرن.



7- الإمارة السورانية:

إمارة صغيرة، نشأت في منطقة رواندوز، في القرن الثاني عشر الميلادي أسسها رجل صالح، قدم من بغداد، واتخذ من قرية جوديان مقراً له وكان له ابن، يدعى عيسى، ضم إليه بعض أراضي البابان، ونقل عاصمته إلى بلدة حرير ضم السلطان سليمان القانوني هذه الإمارة إلى هولير (أربيل) ، بعد أن قتل أميرها، "المير عزالدين شير"، ونصّب عليها أميراً يزيدياً، عام 1534 ولكن السورانيين استرجعوا إمارتهم، بعد عودة السلطان إلى استانبول وحافظوا على استقلالهم، حتى عام 1730، حينما ألحقها البابانيون بإمارتهم، وصارت تابعة لهم.

وحينما دَب الضعف في أمراء البابان، في نهاية القرن الثامن عشر، بسبب الصراع الإيراني ـ العثماني، استعادت الإمارة السورانية وجودها، في مقرها الجديد في رواندوز، وصار لها عام 1810 كيان واضح، حين كان يحكمها مصطفى بك أوغوز، الذي تزوج من فتاة بابانية لكي يعزز مركز إمارته.

وخلفه، عام 1826، ابنه محمد، الملقب "مير كور"، أي الأمير الأعمى، وأخضع لحكمه شيروان، وعشائر برادوست، في الشمال، وقلّل من نفوذ العشائر السورجية، وطرد الحاكم الباباني من حرير، واحتلها وأقره والي بغداد، داود باشا، على حكمه وأصبحت دهوك و زاخو من توابع إمارته العظيمة، واستولى على هولير و ألتون كوبري.

وقد اضطر والي بغداد، علي رضا باشا، في عام 1833، إلى الاعتراف به، ورفع مرتبته إلى "باشا"، إذ رأى فيه القوة الجديدة، التي يمكن استخدامها ضد الإمارة البابانية، ومقاومة أي زحف إيراني على العراق.

واشتهر الأمير مير كور بتنظيم الإدارة في إمارته، واستتب الأمر له فيها وكان على جانب كبير من التقوى والصلاح، والتمسك بالشرع الحنيف، فحقق بين الناس العدالة، في دائرة الشريعة الإسلامية.

وهكذا أصبحت الإمارة السورانية، في منتصف القرن التاسع عشر، أقوى إمارة من إمارات كوردستان قاطبة ولم يبقَ أمام مير كور، للسيطرة على كوردستان الجنوبية (العراقية) كلها، سوى القضاء على الإمارة البابانية، في السليمانية وكان نمو الإمارة السورانية السريع، يثير وجل سليمان بابان وخوفه، فلجأ إلى الإيرانيين، على عادة البابانيين، وتعاون معهم على إرسال حملة عسكرية مشتركة، ضد مير كور، مما حدا أمير رواندوز على طلب النجدة من والي بغداد العثماني، فاستجيب طلبه، في الحال، مما اضطر الإيرانيين و البابانيين إلى إيقاف القتال.

ولم يلبث مير كور أن تعرض للخطر، من جانب العثمانيين، عندما قرروا القضاء على الإمارات الكوردية ، في أواخر القرن التاسع عشر وبدؤوا بانتزاع منطقة الشيخان، اليزيدية، من حكمه، ثم ثبتوا سلطانهم المباشر على نصيبين وماردين وعلى الرغم من محاولة الإيرانيين دفع مير كور إلى إعلان الولاء لشاه إيران، إلا إنه لم يستجِب لهم، لاعتقاده أن في ذلك خيانة للمذهب السُّني، ولخليفة المسلمين.

وكان موقف مير كور يتدهور بسرعة، فسقطت ألتون كوبري وهولير وحرير وكوي سنجق، في يد القوات العثمانية، بقيادة والي بغداد وتقدمت القوات العثمانية في اتجاه رواندوز، وتخلى أعوان مير كور عنه، عندما صدر مرسوم (فرمان) سلطاني بعزله وأدرك أن الأمور تتطور، بسرعة، ضده، فاستسلم، ونقل إلى استانبول، ثم قتل، عام 1838.

وعيَّن والي بغداد شقيق مير كور، المدعو "رسول"، حاكماً على رواندوز وعندما حاول استعادة الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به أخوه، تصدى له والي بغداد، بحملة عسكرية، فر على أثرها إلى إيران، عام 1846 وكان رسول هذا آخر حكام رواندوز، من الأمراء السورانيين.

وقد مهد سقوط الإمارة السورانية لسقوط إمارات كوردية صغيرة، مثل الإمارة البهدينانية في العمادية، والإمارة البوتانية في جزيرة ابن عمر، ونور الله في هكاري.



8- الإمارة البهدينانية:

نشأت هذه الإمارة في مدينة العمادية، الواقعة على قمة جبل مرتفع، وسط سهل فسيح، مما جعلها قلعة حصينة، منيعة حكمتها أسرة بهدينان، التي حظيت بتقدير السلطان العثماني، سليمان القانوني، فمنح حاكمها، حسن باشا، ولاية الموصل، عام1600.

وكثيراً ما اضطر حكام العمادية إلى تبديل ولائهم، بين العثمانيين والإيرانيين فخضع الأمير حسن باشا للشاه، تجنباً لسيطرة الأردلانيين، في أواخر القرن السادس عشر.

ولم تسلم هذه الإمارة من الصراع الداخلي بين أبناء الأسرة الحاكمة وهو الطابع المميز لتاريخ كوردستان كله.

وكان أعظم أمراء العمادية، هو بهرام باشا، الذي حكم مدة طويلة، وتوفي عام 1767 وخلفه ابنه إسماعيل، واستمر حكمه عشرين سنة وبعد موته، عام 1787 شب الصراع بين أعضاء الأُسرة، وانتهى إلى توليِّ مراد بك، مبعوث الأمير الباباني، تنفيذاً لأمر والي بغداد، شؤون الإمارة ثم تمكن هذا الوالي من القضاء على إمارة العمادية، عام 1839، التي استمرت تابعة لولاية الموصل، حتى عام 1849، وألحقت، بعدها، بولاية (وان)، ثم أعيدت، ثانية، لتتبع ولاية الموصل، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.




9- إمارة كريم خان زند:

إثر فترة من الحروب الطاحنة، أنشئت في إيران مملكة كوردية مستقلة، هي المملكة الزندية، بقيادة كريم خان زند، في الفترة ما بين 1752 و 1795 وكان عهد كريم خان (1752م - 1779م) فصلاً مهماً من فصول التاريخ الكوردي، إذ أعلن الاستقلال الكوردي، وصار حاكماً لإيران كلها، تماماً مثل صلاح الدين الأيوبي، الذي حكم أمماً أخرى.

وكتب القنصل الفرنسي في بغداد، في رسالة بعث بها إلى باريس، عام 1763، يقول: "يبدو أن البلاد قد استعادت عظمتها وازدهارها تحت زعامة كريم خان، ذي التصرفات الحكيمة والنفوذ الشخصي فقد حل الأمان والطمأنينة محل الفوضى المريعة والاقتتال المستمر، وقد استؤنفت التجارة، وأخذت القوافل التجارية تذهب إلى إيران وتعود منها، وأن خمسة وعشرين ألفاً من العائلات الإيرانية، التي كانت قد لجأت إلى العراق، أخذت، الآن، تعود لوطنها بالتدريج".

ووصف الرحالة الإنجليزي، مالكولم، القائد كريم خان بقوله: "عاش حياة سعيدة، ثم مات موتة أبٍ، تحفّ به أُسرته".




10- إمارة بوتان (بدرخان):

في عام 1821، تولى الأمير بدرخان إمارة الجزيرة وإقليم بوتان وسعى إلى تخليص إمارته، وكوردستان، كلها من الحكم التركي، وتوحيد إماراتها وعزا الهزائم، اللاحقة بالكورد، في انتفاضاتهم، إلى سببين:



- عدم اتحاد القوى الكوردية حول فكرة وطنية واحدة.

- عدم وجود معامل للأسلحة والذخيرة، في كوردستان.



لذا، بادر الأمير إلى العمل على لمّ الشمل، وتنظيم الصفوف بين القوى المختلفة فأرسل إلى زعماء الكورد، المجاورين له، داعياً إياهم إلى الإتحاد، والعمل على إنقاذ كوردستان وبعث المبعوثين، لبث الدعوة إلى فكرة الوحدة واستجاب الزعماء الكورد لدعوته، من كل مناطق كوردستان.

هذا في الجانب، السياسي والتنظيمي أما في الجانب العسكري، فقد أنشأ في مدينة الجزيرة معملاً للأسلحة، وآخر للبارود.

وشرع يرسل الطلاب في بعثات إلى أوروبا، للتخصص بتجهيز الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية كما أخذ يبني السفن، لتسييرها في بحيرة وان.

ولما امتنع النساطرة المسيحيون، في إمارة بوتان، عن دفع الضرائب إلى الأمير بدرخان، بعث عليهم قوة عسكرية تؤدبهم مما أثار هذا حفيظة الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، فاحتجت لدى الباب العالي، في استانبول، الذي أرسل، بدوره، مندوبين، لِثَنْيه بالوسائل السياسية، عمّا عزم عليه من توحيد كوردستان ولكن ذلك لم يجد نفعاً فأوعز الباب العالي إلى المشير حافظ باشا، أن يرسل مندوباً من عنده، يجيد اللغة الكوردية، إلى الأمير، يستوضحه نياته نحو الخليفة العثماني، ويدعوه، باسم الخليفة، إلى القدوم إلى إستانبول ولما رفض الأمير بدرخان استجابة الدعوة، بعثت الدولة العثمانية عليه قوة عسكرية كبيرة، تمكن من القضاء عليها وقطع علاقته بالدولة العثمانية، وأعلن استقلاله، وسك نقوداً باسمه، عام 1258هـ، كتب على أحد وجهَيها: "أمير بوتان بدرخان"، وعلى الآخر: "سنة 1258هـ".

وسيّر الباب العالي حملة أخرى، تحت قيادة عثمان باشا، ووقعت معركة قرب أورمية، بين الجيش العثماني وجيش الأمير بدرخان وبعد انضمام قائد ميسرة الجيش الكوردي، عزالدين شير، إلى العثمانيين، تمكنوا من احتلال الجزيرة، وهي مقر الإمارة ثم حوصر الأمير في قلعة "أروخ"، ثمانية أشهر، وبعد أن نفدت مؤنه، استسلم للقوات العثمانية، فقضي على حركته.

في سنة 1877، وقعت الحرب الروسية ـ العثمانية، فجند العثمانيون كثيراً من المتطوعين الكورد، وأُسندت قيادة قسم كبير منهم إلى أولاد الأمير بدرخان ومنهم حسين كنعان باشا وعثمان باشا فانتهز هذان القائدان الفرصة، واتفقا مع الضباط على التوجه نحو كوردستان، لتحقيق ما فشل فيه والدهما من استقلال كوردستان فسافر الأميران الكورديان، سراً، إلى الجزيرة، عام 1879، واستوليا على مقاليد الأمور فيها، وأعلنا استقلال إمارة بوتان، التي امتدت إلى جولميرك و زاخو والعمادية ونصيبين، في بعض الأحيان وأُعلن أكبرهما، عثمان باشا، أميراً وذُكر اسمه في خطب الجمعة وتغلبا على الحملات العسكرية العثمانية الموجَّهة ضدهما فعمد الباب العالي إلى سياسة المهادنة، إذ أمر السلطان عبد الحميد بإطلاق كل المعتقلين من عائلة بدرخان، وبعث إلى الأميرَين يدعوهما إلى حقن دماء المسلمين، واستعداده لاستجابة مطالبهم، بالوسائل السلمية وتظاهر العثمانيون بمنح كوردستان امتيازات خاصة، في الإدارة الداخلية فدخل الأميران في مفاوضات مع السلطات العثمانية، في شأن الصلح، وتحقيق مطالب الكورد وأحيطا بمظاهر الحفاوة، في خلال الاجتماعات وصدرت تصريحات من المفاوضين العثمانيين، حول مطالب الكورد وتحقيقها، في الجزيرة وفي كوردستان كلها وحيال ذلك اطمأن الأميران الكورديان، وأخذا يخففان من عدد الحراس، المرافقين لهما، عند حضور الاجتماعات وذات يوم، أطبقت القوات العثمانية على الأميرَين وحرسهما وأرسلت الأميرَين إلى استانبول، حيث أودعا السجن فترة من الزمن، ثم أُطلقا وفرضت عليهما الإقامة الجبرية بالآستانة.

وفي عام 1889، غادر كل من أمين عالي بك ومدحت بك، من أولاد الأمير بدرخان، الآستانة، سراً، ووصلا إلى طرابزون، حيث شرعا يتصلان مع رجال كوردستان، بوساطة رجل، يدعى مصطفى نوري أفندي الشاملي وجرى الاتفاق على أن تحتشد قوة مسلحة كبيرة، بقيادة بعض رؤساء الكورد، في جويزلك، في منتصف الطريق بين أرزروم وطرابزون، وتكون في انتظار الأميرَين وفعلاً، وصلت القوة الكوردية إلى المكان المذكور، وسافر الأميران، سراً، من طرابزون، غير أن مصطفى نوري أفندي الشاملي، الذي كان الوسيط بين الأميرَين والقوات الكوردية، أبلغ الأمر إلى الديوان السلطاني، الذي لم يتوانَ في إرسال قوات عسكرية، من أرزروم وأرزنجان إلى الجهات والطرق، التي يتوقع مرور الأميرَين منها ووجد الأميران نفسيهما، مع القوة الكوردية، على غرة، بين قوّتَين عثمانيتَين في جنوب مدينة أبيورت، وعلما أنهما وقعا في كمين فجرت معركة، انجلت عن هزيمة الكورد وهروبهم إلى جبال أرغني ومعدن واعتصموا بها وبعد قتال، استمر فترة من الوقت، ومع وصول إمدادات عثمانية، استسلم الأميران الكورديان و انتهى فصل آخر من فصول الأمارات الكوردية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق